كتب الصحفي والباحث البريطاني جورج مونبيو في صحيفة الجارديان أن الحكومة الإسرائيلية لا تكتفي بقتل الفلسطينيين وتشريدهم، بل تعمل على جعل أرض غزة غير قابلة للحياة. يشير إلى أن هذا النهج يوازي جريمة الإبادة الجماعية بجريمة أخرى هي الإبادة البيئية، إذ يجري محو الزراعة والموارد الطبيعية ومقومات العيش.

يشرح تقرير الجارديان أن غزة، رغم كثافة سكانها، اعتمدت على نفسها في إنتاج الخضروات والدواجن وزيت الزيتون والفواكه. لكن الأمم المتحدة أفادت أن 1.5% فقط من أراضيها الزراعية ما زال صالحًا، أي نحو 200 هكتار لإطعام أكثر من مليوني إنسان. دمرت قوات الاحتلال البيوت البلاستيكية، جرفت البساتين، وحرقت التربة، فيما حلقت الطائرات لترش مبيدات سامة على الحقول.

يبرر الجيش الإسرائيلي هذه الممارسات بادعاء أن حماس تنشط وسط المزارع أو من المدارس والمستشفيات. وبهذا المنطق يمكن تدمير أي مصدر حياة للفلسطينيين. كما توسع إسرائيل "المنطقة العازلة" شرق غزة، حيث تقع مساحات واسعة من الأراضي الخصبة. وبدلًا من شعار "إزهار الصحراء"، تحوّل إسرائيل الأرض الخضراء إلى صحراء قاحلة.

لفت التقرير إلى أن إسرائيل اقتلعت على مدار عقود أشجار الزيتون التاريخية لقطع صلة الفلسطينيين بأرضهم وإفقادهم موردًا أساسيًا يمثل 14% من الاقتصاد الفلسطيني ويحمل رمزية عميقة. ومع الحصار الغذائي، تضمن هذه السياسات تهديد المجاعة بشكل منهجي.

تتجاوز الكارثة حدود الزراعة. فقد انهارت مرافق معالجة المياه العادمة، فتدفقت المجاري على الأراضي وتسربت إلى الخزانات الجوفية ولوثت البحر. وتراكمت النفايات في شوارع غزة أو في مكبات عشوائية، ناشرة السموم. بينما كان نصيب الفرد من المياه قبل الحرب 85 لترًا يوميًا، انخفض في فبراير إلى 5.7 لترات فقط. ويهدد ضخ مياه البحر في الأنفاق بتدمير الحوض الجوفي الساحلي عبر زيادة ملوحته.

قدرت الأمم المتحدة العام الماضي وجود 107 كيلوجرامات من الأنقاض لكل متر مربع من غزة، محملة بالأسبستوس والذخائر غير المنفجرة وبقايا بشرية وسموم الأسلحة. وتشير تقارير موثوقة إلى استخدام إسرائيل للفوسفور الأبيض الذي يلوث التربة والمياه ويطلق غازات سامة. هذا الغبار والهواء الملوث يضاعفان الأثر الصحي الكارثي على السكان.

يضيف التقرير أن الهجوم العسكري الإسرائيلي يطلق كميات هائلة من انبعاثات الكربون، إضافة إلى الكلفة المناخية لإعادة إعمار غزة إذا سمح بها مستقبلًا. وحدها عملية الإعمار قد تساوي انبعاثات دولة متوسطة الحجم. هذا البعد يوضح كيف يلتقي الدمار الإنساني بالدمار البيئي في جريمة واحدة.

يستشهد مونبيو بقول الباحث الفلسطيني مازن قمصية، إن "التحلل البيئي ليس عرضيًا بل متعمد وممتد ويستهدف كسر الصمود البيئي للشعب الفلسطيني". فالهدف ليس فقط القضاء على البشر بل اقتلاع كل أشكال الحياة في غزة. وهذا، بحسب الكاتب، انتهاك صارخ للمادة الثامنة من نظام روما الأساسي، ما يجعل الإبادة البيئية جريمة دولية بجوار الإبادة الجماعية.

ورغم أن الجيوش العالمية مسؤولة عن نحو 5.5% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إلا أنها معفاة من الإبلاغ بموجب اتفاقية باريس بضغط من الولايات المتحدة. وبذلك تفلت المؤسسة العسكرية من الرقابة البيئية. ويشير التقرير إلى أن الحروب، مثلها مثل الصناعات الملوثة، تقود إلى دمار النظم البيئية وتغذي النزاعات.

ويحذر مونبيو من أن المخطط الإسرائيلي يتجاوز محو البشر ليشمل تدمير البيئة من جذورها. فالمشروع قد يفضي إلى تحويل غزة إلى "ريفييرا" للنخب، مجردة من السكان والأرض والتاريخ. لا يدفع الفاعلون أي ثمن الآن، لكن العدالة تظل احتمالًا يلوح في الأفق.

بهذا يختتم الكاتب أن الجمع بين الإبادة الجماعية والبيئية يكشف محاولة إسرائيلية لاقتلاع كل مقومات الحياة الفلسطينية. وما لم يتحرك المجتمع الدولي بآليات محاسبة جدية، ستظل غزة ميدانًا لتجربة مروعة في محو الإنسان والطبيعة معًا.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/sep/27/israel-ecocide-gaza-bombs-agricultural-land-genocide